تفسير (3)
المحاضرة الثانية
سورة الحشر "مدنية"
الأهداف :
يتوقع من الطالب في نهاية المحاضرة أن :
1- يعرف صفات اليهود التي أجلوا بسببها.
2- يعرف الفيء وتقسيماته .
3- يعرف صفات المهاجرين والأنصار التي استحقوا بها التكريم.
4- يقارن بين صفة المنافقين واليهود والشيطان.
5- يفرق بين المتقين والذين نسوا الله وما أعد الله للفريقين.
6- يعرف عظمة القرآن ومكانته وأثره .
7- يتدبر معاني صفات الله وأسمائه .
قال تعالى "سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم" .
تنزه وتقدس وتعالى سبحانه فهو الذي نقدسه وينزهه كل ما في السموات وما في الأرض "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" العزيز الغالب الحكيم بما شرع وأمر .
"هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار" .
هو الذي سبح له ما في السموات وما في الأرض هو الذي أجلا يهود بني النضير من ديارهم وكان المؤمنون أداة لهذا الجلاء وذلك بعد أن نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله عندما ذهب رسول الله e لجمع دية القتيلين من بني عامر.
فتآمروا على رسول الله وقال بعضهم لبعض لن تجدوا محمد بمثل هذه الفرصة ليعتلي أحدكم على البيت ويرمى عليه شجرة فأعلمه الله بهذه المؤامرة فأمر بإجلائهم من المدينة .
"لأول الحشر" أي هناك حشر عظيم بعد ذلك لهذا المكان أرض المحشر – ما طن المسلمون أنهم يخرجونهم وظنواهم أنهم مانعتهم حصونهم ولكن الله إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون فأتاهم الله من قبل الهلع والرعب والخوف في القلوب ، وكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم ليحملوا الأخشاب وحتى لا يسكن فيها غيرهم وبأيد المؤمنين ، وهذه عبره وعظة لمن يريد الاعتبار .
"ولو لا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا" فلولا أن الله أخرجهم من ديارهم لأنزل عليهم عذاباً أخر من القتل والسبي مع ما ينتظرهم من عذاب ونكال عظيم في تاريخهم .
وكان سبب استحقاقهم لهذا العذاب فوق الغدر أنهم كذبوا وخالفوا أمر الله ورسوله وأعلنوا الحرب لله ورسوله ثم قال سبحانه "ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين" حيث أمرهم رسول الله ورخص لهم بقطع النخيل وحرقها من حول الحصون حيث كانوا يتوارون ورائها فتحرج بعض الصحابة أعليهم إثم بهذا – وتحدث اليهود أن محمد وأصحابه يفسدون في الأرض فأنزل الله "ما قطعتم من لينة أو تركتموها " واللينة هي النخلة وأصولها جذوعها وسوقها فهذا وحي من الله كي يخزي الله الفاسقين العاصين.
"مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".
الفيء : هو ما أخذه المسلمون من العدو بغير قتال ولا ايجاف خيل ولا بعير أي من غير مبارزة على الخيل أو البعير ، فهو القاهر لكل شيء وهو على كل شيء قدير .
وهذا الفيء يقسم كما حددت الآية لله ورسوله ولذي القربى لأن الله حرم عليهم الزكاة ثم اليتامى والمساكين وابن السبيل المنقطع عن ماله – ذلك لكي لا يكون المال متداولاً فقط بين الأغنياء وهذا أمر الله يجب أن ينفذ ويطاع رسول الله e فإن طاعته من طاعة الله ومانهانا عنه تنتهي عنه ، ثم ختم بالتقوى لأنها هي الحافز للعمل ومراقبة الله في التنفيذ وهدد بالعذاب لمن لم ينفذ هذا الأمر .
"للفقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" .
هذه إشادة من الله ومدحاً للفريق الأول من المؤمنين وهم المهاجرين خرجوا من ديارهم مكة وتركوا أموالهم وأهليهم وديارهم تنفيذاً لأمر الله ورسوله وتضحية لما يملكون نصرة لله ورسوله فهذا هو صدق الإيمان .
ثم الفريق الثاني الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين ووضعوا بين أيديهم ما يملكون من الأموال والنساء والديار .
"وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" .
فقد كانوا سكنة المدينة من قبل المهاجرين وأحبوا المهاجرين إليهم فمن كرمهم وشرف نفوسهم يقاسمونهم الديار والأموال وما يملكون ويقدمونهم على أنفسهم بالاختيار وإن كانوا هم في حاجة ومن يملك نفسه ويهذب نفسه بهذا فقد وقاها الهلاك ومدحهم الله أولئك هم المفلحون .
ثم ذكر الفريق الثالث الذي جاء بعد ذلك من المؤمنين .
"َالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" .
فهذه هي الأخوة الإيمانية يودوهم أحياء وأمواتا فهم يدعون بالمغفرة للأموات ولا يحملون بغضاً ولا حسداً للأحياء بل المحبة والأخوة والنصرة لأن الخالق رؤوف رحيم ، فيجب أن يكونوا رؤفا رحماء.
ثم بين الله سبحانه وتعالى صفات المنافقين وعلى رأسهم عبدالله بن أبي الشيطان بهذا وهم يؤاخون اليهود ويوالونهم ويتآمرون معهم على المؤمنين وكيف يماثلون .
فقال سبحانه " أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" .
فالله سبحانه آخاهم وهو أعلم بالنفوس والقلوب باليهود فهم واحد غير أن اليهود معروفون وهؤلاء يلعبون على الحبلين بوجهين وجه عند المؤمنين والثاني عند اليهود وتعاهدوا مع اليهود بهذا العهد الذي تبينه الآية ولكن كشف عنهم فقال "والله يعلم إنهم لكاذبون" ثم فصل كذبهم فلإن خرج اليهود لا يخرجون معهم وإن قاتلوا لا ينصرونهم ولإن وقفوا معهم لأول وهلة لن يواصلوا - يولوهم الأدبار ولن ينصرون .
وذلك بأنهم قوم لا يفقهون ، لا يفهمون .
ثم يواصل سبحانه الآيات في صفات اليهود "لا يقاتلونكم جميعاً" مجتمعين إلا إذا كانوا في قرى محصنة ، وهذا ما نراه اليوم لا يستطيعون المواجهة ويصفحون سياراتهم أو من على الطائرات مع أنه من يقاتلهم عزل إلا من الحجارة فهم يقاتلون من وراء جدر وعن بعد .
"بأسهم بينهم شديد. وإن رأينا على هذا بالظاهر لكن خلافاتهم تظهر بين الفترة والأخرى وبهذا قال سبحانه "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى " مختلفين ولكن يتفقون جميعاً على قتال المسلمين .
"كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" من قبلهم إما يهود بني قينقاع أو المشركين يوم بدر ذاقوا جزاء أعمالهم السيئة ومؤمراتهم الدنيئة وهم يماثلون الشيطان – حين يزين المعاصي لصاحبها فلما يقع فيها يتبرأ منه ويقول "إني أخاف الله رب العالمين" والمنافقون قالوا لليهود نحن معكم ثم تركوهم بعد ذلك .