( من لم يجد وقت العشاء والوتر بأن كان في بلد يطلع الفجر فيه ، كما تغرب الشمس أو قبل أن تغيب الشفق لم يجبا عليه ، لعدم السبب وهو الوقت ، وذكر المرغيناني : أن الشيخ برهان الدين الكبير أفتى بأن عليه صلاة العشاء ، ثم إنه لا ينوي القضاء في الصحيح ، لفقد وقت الأداء ، وفيه نظر ؛ لأن الوجوب بدون السبب لا يعقل ، وكذا إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة ، وهو فرض الوقت ، ولم يقل به أحد ، إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع الفجر إجماعا) اهـ .
وكتب الشلبي في حواشيه على [شرح الزيلعي ] قوله . (بأن كان في بلد يطلع الفجر فيه . . إلخ) ، قال العيني : (ويذكر أن بعض أهل بلغار لا يجدون في كل سنة وقت العشاء أربعين ليلة ، فإن الشمس كما تغرب من ناحية المغرب يظهر الفجر من المشرق) ا هـ .
(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 438)
قوله : ( أفتى بأن عليه صلاة العشاء . . إلخ ) وردت هذه الفتوى من بلغار على شمس الأئمة الحلواني ، فأفتى بقضاء العشاء ، ثم وردت بخوارزم على الشيخ الكبير سيف السنة البقالي ، فأفتى بعدم الوجوب ، فبلغ جوابه الحلواني فأرسل من يسأله في عامته بجامع خوارزم : ما تقول فيمن أسقط من الصلوات الخمس واحدة يكفر؟ فأحس به الشيخ فقال : ما تقول فيمن قطع يداه من المرفقين أو رجلاه من الكعبين كم فرائض وضوئه؟ قال : ثلاث لفوات محل الرابع ، قال : وكذلك الصلاة الخامسة ، فبلغ الحلواني جوابه فاستحسنه ووافقه فيه (اهـ) . من [المجتبى] . قال العلامة كمال الدين بن الهمام رحمه الله تعالى : ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الغرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر . . إلخ .
--------------------------------------------------------------------------------
وقال العلامة ابن عابدين في حواشيه على [الدر المختار] (1 /339) . : لم أر من تعرض عندنا دع صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس أو بعده بزمان لا يقدر فيه الصائم على أكل ما يقيم بنيته ، ولا يمكن أن يقال لوجوب موالاة الصوم عليهم ؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك ، فإن قلنا : بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير ، وهل يقدر ليلهم بأقرب البلاد إليهم كما قال الشافعية " أم يقدر لهم بما يسع الأكل والشرب ، أم يجب عليهم القضاء فقط دون الأداء؟ كل محتمل فليتأمل ، ولا يمكن القول هنا بعدم الوجوب أصلا كالعشاء عند القائل به فيها ؛ لأن علة عدم الوجوب فيها عند
(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 439)
القائل به عدم السبب ، وفي الصوم قد وجد السبب ، وهو شهود جزء من الشهر ، وطلوع فجر كل يوم ، هذا ما ظهر لي ، والله أعلم .
وقال في [ إمداد الفتاح ] : وكذلك يقدر لجميع الآجال ، كالصوم والزكاة والحج والعدة وآجال البيع والسلم والإجارة ، وينظر ابتداء اليوم فيقدر كل فصل من الفصول الأربعة بحسب ما يكون كل يوم من الزيادة والنقص كذا في كتب الشافعية ، ونحن نقول بمثله إذ أصل التقدير مقول ، إجماعا في الصلوات اهـ . نقله عنه ابن عابدين في (1 / 338) .
--------------------------------------------------------------------------------
قال الشيخ محمد عرفة الدسوقي في أوقات الصلاة [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير] (1 / 156) . : ما ذكره المصنف من أن مبدأ المختار للظهر من زوال الشمس إلى هنا كله بالنسبة لغير زمن الدجال ، وأما في زمنه فيقدر للظهر وغيرها بالنسبة لغير زمانه ، ثم إن بعض البلاد السنة فيها يوم وليلة ، وحينئذ فيقدرون لكل صلاة كزمن الدجال ، وفي بعض البلاد الليل من المغرب للعشاء ، فيخرج الفجر وقت العشاء ، فعند الحنفية تسقط عنهم العشاء ، وعند الشافعية يقدرون بأقرب البلاد إليهم ، ولا نص عندنا ، ولكن استظهر بعضهم الرجوع في ذلك لمذهب الشافعي ، كذا قرر شيخنا .
--------------------------------------------------------------------------------
وقال الشيخ أحمد الدردير في [شرحه الكبير على مختصر خليل] : وإن التبست عليه الشهور فلم يعرف رمضان من غيره . عرف الأهلة أم لا ( وظن شهرا ، أنه رمضان (صامه وإلا) يظهر ، بل تساوت عنده الاحتمالات (تخير) شهرا وصامه ، فإن فعل ما طلب منه فله أحوال أربعة ، أشار لأولها
(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 440)
بقوله : (وأجزأ ما بعده) أي : إن تبين أن ما صامه في صورتي الظن والتخيير هو ما بعد رمضان أجزأ ويكون قضاء عنه ، وثابت نية الأداء عن القضاء ويعتبر في الإجزاء مساواتهما (بالعدد) ، فإن تبين أن ما صامه شوال وكان هو ورمضان كاملين أو ناقصين قضى يوما عن يوم العيد ، وإن كان الكامل رمضان فقط قضى يومين وبالعكس لا قضاء ، وإن تبين أن ما صامه ذو الحجة فإنه لا يعتد بالعيد وأيام التشريق ، ولثانيها وثالثها بقوله : (لا) إن تبين أن ما صامه (قبله) ولو تعددت السنون (أو بقي على شكله) في صومه لظن أو تخيير فلا يجزئ فيهما ، وقال ابن الماجشون وأشهب وسحنون : يجزئه في البقاء على الشك ؛ لأن فرضه الاجتهاد ، وقد فعل ما يجب عليه فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه ، ورجحه ابن يونس ، ولرابعها بقوله : (وفي) الإجزاء عند (مصادفته) في صومه تخييرا ، وهو المعتمد وعدمه (تردد) فإن صادفه في صومه ظنا فجزم اللخمي بالإجزاء من غير تردد) (1/476) . .
--------------------------------------------------------------------------------
وقال الحطاب في [مواهب الجليل على مختصر خليل ] (1 /388 ) . : الخامس : ورد في [ صحيح مسلم ] صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937),سنن الترمذي الفتن (2240),سنن أبو داود الملاحم (4321),سنن ابن ماجه الفتن (4075),مسند أحمد بن حنبل (4/182). أن مدة الدجال أربعون يوما ، وإن فيها يوما كسنة ، ويوما كشهر ، ويوما كجمعة ، وسائر أيامه كأيامنا ، فقال الصحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال : لا ، اقدروا له قدره ، قال القاضي عياض : في هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع ، قال : ولو وكلنا إلى
(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 441)
اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام ، ونقله عنه النووي وقبله ، وقال بعده : ومعنى : " اقدروا له قدره " أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر فإذا مضى بعدها قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب ، وكذا العشاء والصبح ، وهكذا إلى أن ينقضي ذلك اليوم ، وقد وقع فيه صلوات سنة كلها فرائض مؤداة في وقتها .
--------------------------------------------------------------------------------
وأما اليوم الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة ، فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرنا ، والله تعالى أعلم ، انتهى . ومثل ذلك الأيام الذي تحجب الشمس فيها عن الطلوع عند إرادة الله سبحانه وتعالى طلوعها من مغربها ، ذكره ابن فرحون في الألغاز ، وقال : هذا الحكم نص عليه الشارع قلت : ومثله ما ذكره القرافي في [كتاب اليواقيت] عن الشافعية في قطر يطلع فيه الفجر قبل غروب الشفق قال : فكيف يصنع بالعشاء ، وهل تصلى الصبح قبل مغيب الشفق ، وهل يحكم على العشاء بالقضاء ، فذكر عن إمام الحرمين أنه قال : لا تصلى العشاء حتى يغيب الشفق ولا تكون قضاء لبقاء وقتها ويتحرى بصلاة الصبح فجرمن يليهم من البلاد ولا يعتبر الفجر الذي لهم ، انتهى باختصار ، وكأنه ارتضاه) . السادس : قال القرافي في [كتاب اليواقيت] : مسألة من نوادر أحكام الأوقات إذا زالت الشمس ببلد من بلاد المشرق وفيها ولي فطار إلى بلد من بلاد المغرب فوجد الشمس كما طلعت ، فقال بعض العلماء : إنه مخاطب بزوال البلد الذي يوقع فيها الصلاة ؛ لأنه صار من أهلها . انتهى .
(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 442)
(قلت) : وانظر على هذا لو صلى الظهر في البلد الذي زالت عليه فيه الشمس ثم جاء إلى البلد الآخر ، والظاهر أنه لا يطالب بإعادة الصلاة ؛ لأنه كان مخاطبا بزوال البلد الذي أوقع فيها الصلاة وسقط عنه الوجوب بإيقاعها فيه ولم يكلف الله بصلاة في يوم واحد مرتين فانظره .
وقال أيضا : (ومن لا تمكنه رؤية ولا غيرها - كأسير - كمل الشهور) ابن بشير .
لا شك أن الأسير إذا كان مطلقا أنه يبني على الرؤية أو العدد وإن كان في مهواة لا يمكنه التوصل إلى الرؤية بنى على العدد فأكمل كل شهر ثلاثين يوما (وإن التبست وظن شهرا صامه) ابن بشير ، إن التبست عليه الشهور اجتهد وبنى على ظنه (وإلا تحرى) ابن عبدون وابن القاسم وعبد الملك وأشهب .
--------------------------------------------------------------------------------
إن أشكل رمضان على أسير أو تاجر ببلد حرب تحراه ، اللخمي صام أي شهر أحب (وأجزأ ما بعده) من المدونة إن التبست الشهور على أسير أو تاجر أو غيره في أرض العدو فصام شهرا ينوي به رمضان ، فإن كان قبله لم يجزه ، وإن كان بعده أجزأه ، وإن لم يدر أصام قبله أو بعده فكذلك يجزئه حتى ينكشف أنه صام قبله قاله أشهب وعبد الملك وسحنون ، وقال ابن القاسم : يعيد إذ لا يزول فرض بغير يقين ( ابن يونس، وقول أشهب أبين ؛ لأنه صار فرضه إلى الاجتهاد ، وهو قد اجتهد وصام ، فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه أصله من اجتهد في يوم غيم وصلى فلم يدر أصلى قبل الوقت أو بعده (بالعدد) من النكت من كتاب [أحكام القران] لابن عبد الحكم إذا صام شوالا فليقض يوم الفطر إن كان رمضان الذي أفطره مثل
(الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 443)
عدد شوال الذي صامه من الأيام ، وإن كان شوال الذي صامه ثلاثين يوما ورمضان تسعة وعشرين يوما فلا شيء عليه ، وليس عليه قضاء يوم الفطر ؛ لأنه قد صام تسعة وعشرين يوما وليس عليه إلا عدة الأيام ( التي أفطر ) (لا قبله) تقدم نص المدونة إن كان قبله لم يجزئه ( أو بقي على شكه ) تقدم قول ابن القاسم قبل قوله بالعدد ( وفي مصادفته تردد ) ابن رشد إذا صام على التحري ثم خرج وعلم أنه أصابه بتحريه فلا يجزئه على مذهب ابن القاسم ، ويجزئه على مذهب أشهب وسحنون ( ابن عرفة ) ولم أجد ما ذكره عن ابن القاسم وأخذه من سماع عيسى بعيد ، وما ذكر اللخمي إلا الإجزاء خاصة ، وساقه كأنه المذهب ولم يعزه .