تأليف الفقير إلى الله تعالى
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور وجعل صيامه أحد أركان الإسلام ومكفراً للذنوب والآثام وسن لنا قيامه وقيام ليلة القدر ووعد من صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا بمغفرة ما مضى من ذنوبه. وأنزل فيه القرآن الكريم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. وخصه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك.
أما بعد: فقد طلب مني من تعينت إجابته إعداد رسالة تتضمن أحكام صيام المجاهدين والمرابطين وغيرهم من المسلمين الصائمين فاستعنت بالله وأجبته إلى ذلك.
وأعددت هذه الرسالة المتضمنة إرشادات للصائم في أحكام الصيام وصلاة التراويح. وما يخص العشر الأواخر من التهجد والاعتكاف وليلة القدر، وأحكام زكاة الفطر.
كما تضمنت جملة فتاوى من فتاوى رسول الله r في الصوم.
كما تضمنت فتاوى من فتاوى كل من: شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمهما الله تعالى وبيان أمور قد تخفى على بعض الناس لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وفوائد تتعلق بالصيام للشيخ محمد الصالح العثيمين. وبيان مسائل يحتاج إليها الصائم للدكتور الشيخ صالح الفوزان وذكر شيء من جهاد رسول الله r في غزواته بدر وأحد والخندق والفتح حيث انتصر فيها على أعدائه وهذا يدلنا أن شهر رمضان المبارك شهر جهاد وتضحية وعمل لا شهر خمول ونوم وكسل.
كما اشتملت هذه الرسالة على حكم صيام المجاهدين والمسافرين للجهاد وغيره. وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله r وكلام المحققين من أهل العلم أسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها.
كما أسأله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينصر المجاهدين في سبيله وأن ينصر دينه ويعلي كلمته وينصر أنصاره ويخذل أعداءه.
وأسأله تعالى أن يجعلنا وسائر إخواننا المسلمين ممن صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(ملاحظة مهمة):
ولا يفوتني أن أذكر القارئ الكريم بفائدة الصيام الكبرى وهي حصول التقوى }لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ وهي طاعة الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه بفعل الواجبات والمستحبات وفي مقدمتها المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة. وترك المحرمات والمكروهات ومنها ترك التدخين الضار بالدين والبدن والصحة والمجتمع والمال ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. وأن يجاهد المسلم نفسه بطاعة الله فإن المجاهد من جاهد نفسه بطاعة الله }وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{[سورة الأحزاب آية 71]. فهنيئًا له بذلك وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إرشادات للصائم
أولا: في الصيام:
1- النِّية عند إرادة الصوم المفروض أو المنذور ركن لابد منه، وهي فرض في جميع العبادات، وهي التي تفرق العادة من العبادة ومحلها القلب. والمراد بها: أن يستحضر الصائم إرادة الصيام ويعزم عليه في قلبه. ولا عبرة بنطق اللسان، ويعبر عن ذلك السحور والإعداد له، والأحوط أن تكون النية ليلاً، وأن يبيتها ويجددها كل ليلة من رمضان ما لم ينو الفطر لعذر من الأعذار.
2- إذا رأيت هلال أي شهر فقل: «الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله»([1]).
3- على المسلم أن يحرص على صيام رمضان صومًا مقبولاً، فرمضان إلى رمضان يكفر الله ما بينهما من صغائر الذنوب.
قال r«الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»([2]).
4- أكثر من الدعاء عند الإفطار فإنه مظنة الإجابة، وقل عند فطرك: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي»([3]).
وقل أيضا: «ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى»([4]).
5- يحذر الصائم من حشو ألوان الطعام على مائدة الإفطار، فالصيام اقتصاد وعبادة وتأديب وتهذيب، لا إسراف وتبذير، وإشباع رغبات وشهوات، وتنافس في المأكولات والمشروبات.
6- حسب الصائم أن يأكل ما يسد جوعه، ويشرب ما يروي ظمأه، وأن يقلل من الطعام والشراب بقدر الإمكان، حتى لا يعوض ما فاته بالنهار فيثقل معدته، ويشغله الأكل والشرب عن عبادة ربه ولاسيما صلاة التراويح، فما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه.
7- لا تصم عن الحلال ثم تفطر على الحرام أو المكروه، أو ما فيه شبهة، سواء أكان ذلك في مصدر الطعام أو الشراب، أم في نفس الطعام أو الشراب، أم كان تعاطيا كالدخان، أو الحبوب المخدرة أو غير ذلك.
8- شهر رمضان صيام بالنهار وقيام بالليل، فلا تضيع النهار في النوم الكثير ولا تضيع الليل بالسهر الطويل، وحاول أن تشعر بألم الجوع، وتتذوق حلاوة الإيمان والطاعة بقيام الليل وتلاوة القرآن.
9- حاول أن تستفيد من ترك التدخين نهار شهر كامل، بأن تخرج من الصيام قوي الإيمان والعزم والإرادة وَتُطَلِّق التدخين بغير رجعة دفعة واحدة، فمن تركه في النهار يتركه في الليل، ومن تعود ذلك أمكنه أن يتغلب عليه في كل حال، متى صدقت النية وقويت العزيمة.
10- استفد -أخي المسلم- من المحافظة على صلاة الجماعة في شهر رمضان فواظب عليها بعد ذلك، ولا تنتكس إلى الخلف فتترك صلاة الجماعة بعد شهر الصيام، وإذا واظبت عليها وخصوصا صلاة الفجر، فستجد لها حلاوة يتذوقها أهل الإيمان الصحيح، نسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك وسائر المسلمين منهم.
11- حاول أن تؤدي عملك في شهر رمضان على أكمل وجه فالصيام جدٌ وحركةٌ ونشاط، لا كسل وخمول وبطالة.
12- الصيام يُعَلِّم الحلم والصبر والصدق، فلا تغضب على أحد ولا تجزع من أحد، ولا تخلف وعداً، ولا تؤخر عملا بسبب الصيام، وإن سابَّك أحد أو شاتمك فقل: «إني صائم».
واحفظ جوارحك عن المعاصي والآثام.
13- لعب الورق واللغو والباطل، وقضاء الليل أمام برامج التليفزيون أو الفيديو غير الأخلاقية لا يتناسب مع المسلم دائما لاسيما مع الصيام، وفيه قدوة سيئة للأبناء، وإدمان على المنكرات واستحسانها، وقربٌ من الشيطان وبعدٌ عن الرحمن.
([1]) أخرجه الدارمي عن عبد الله بن عمر عن رسول الله r.
([2]) رواه مسلم عن أبي هريرة.
([3]) أخرجه ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو.
([4]) أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عمر عن رسول الله r.