من فتاوى النبي r في الصوم.
* سأله r رجل فقال: يا رسول الله: أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم فقال: «أطعمك الله وسقاك» ذكره أبو داود وعند الدارقطني فيه بإسناد صحيح «أتَّم صومك فإن الله أطعمك وسقاك ولا قضاء عليك» وكان أول يوم من رمضان.
* وسئل r عن الخيط الأبيض والخيط الأسود فقال: «هو بياض النهار وسواد الليل» ذكره النسائي.
* وسأله r رجل فقال: تدركني الصلاة -أي: صلاة الفجر- وأنا جُنُب فأصوم فقال رسول الله r: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جُنُب فأصوم» فقال لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» ذكره مسلم.
* وسئل r عن الصوم في السفر فقال: «إن شئت صمت وإن شئت أفطرت» ذكره مسلم.
* وسأله r حمزة بن عمرو فقال: إني أجد في قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح فقال: «هي رخصة الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» ذكره مسلم.
* وسئل r عن تقطيع قضاء رمضان فقال: «ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين قضى الدرهم والدرهمين ألم يكن ذلك قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر» ذكره الدارقطني وإسناده حسن.
* وسألته r امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت نعم قال: فصومي عن أمك»([1]) متفق عليه.
من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:
* سئل رحمه الله عن المضمضة والاستنشاق والسواك وذوق الطعام والقيء وخروج الدم والادهان والاكتحال للصائم.
فأجاب: أما المضمضة والاستنشاق فمشروعان للصائم باتفاق العلماء وكان النبي r والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم ولكن قال للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة. فنهاه عن المبالغة لا عن الاستنشاق.
وأما السواك: فجائز بلا نزاع لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك.
وذوق الطعام: يكره لغير حاجة لكن لا يفطره، وأما للحاجة فهو كالمضمضة.
وأما القيء فإذا استقاء أفطر وإن غلبه القيء لم يفطر. والادهان لا يفطر بلا ريب.
وأما خروج الدم الذي لا يمكن الاحتراز منه كدم المستحاضة والجروح والذي يرعف ونحوه فلا يفطر، وخروج دم الحيض والنفاس يفطر باتفاق العلماء.
وأما الكحل الذي يصل إلى الدماغ فمذهب أحمد: أنه يفطر كالطيب. ومذهب مالك: نحو ذلك. وأما أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: فلا يريان الفطر بذلك([2]) والله أعلم.
وقال في الاختيارات: ولا يفطر الصائم بالاكتحال والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة وهو قول بعض أهل العلم([3]) والله أعلم.
من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:
* سئل من مات قبل أن يصوم الواجب عليه ما حكمه؟
فأجاب: إذا مات قبل أن يصوم الواجب عليه كمن مات وعليه قضاء رمضان وقد عوفي ولم يصمه فإنه يجب أن يطعم عنه كل يوم مسكين بعدد ما عليه، وعند الشيخ تقي الدين «ابن تيمية» أن صيم عنه أيضاً أجزأ وهو قوي المأخذ.
الحال الثاني: أن يموت قبل أن يتمكن من أداء ما عليه مثل أن يمرض في رمضان ويموت في أثنائه وقد أفطر لذلك المرض أو يستمر به المرض حتى يموت ولو بعد مدة طويلة فهذا لا يكفر عنه لعدم تفريطه ولأنه لم يترك ذلك إلا لعذر([4]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» متفق عليه.
والحديث دليل على مشروعية صيام الحي عن الميت وأنه إذا مات وعليه صوم واجب أجزأ عنه صيام وليه.
قال النووي: اختلف العلماء في من مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضي عنه؟
وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلاً والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إطعام وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. انتهى والله أعلم([5]).
أمور قد تخفى على بعض الناس([6])
وهناك أمور قد تخفى على بعض الناس:
1- منها أن الواجب على المسلم أن يصوم إيماناً واحتساباً لا رياء ولا سمعة ولا تقليداً للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك.
2- وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيماناً واحتساباً لا لسبب آخر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»([7]).
3- ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ما قد يعرض
للصائم من جرح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم ولكن من تعمد القيء فسد صومه لقول النبي r«من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء»([8]).
4- ومن ذلك ما قد يعرض للصائم من تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر وما يعرض لبعض النساء من تأخير غسل الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر إذا رأت الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي الفجر قبل طلوع الشمس وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.
5- ومن الأمور التي لا تفسد الصوم تحليل الدم وضرب الإبر غير التي يقصد بها التغذية لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك لقول النبي r«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»([9]) وقوله عليه الصلاة والسلام «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»([10]).
6- ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس عدم الاطمئنان في الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله r أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة والخشوع فيها وعدم العجلة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكثير من الناس يصلي في رمضان صلاة التراويح صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقراً وهذه الصلاة على هذا الوجه باطلة وصاحبها آثم غير مأجور.
7- ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ظن بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة.
وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله r على أن صلاة الليل موسع فيها فليس فيها حد محدود لا تجوز مخالفته بل ثبت عنه r أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة([11]) وربما صلى ثلاث عشرة وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره، ولما سئل r عن صلاة الليل قال: «مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر ما قد صلى» متفق على صحته.
ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره ولهذا صلى الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر t في بعض الأحيان ثلاثاً وعشرين ركعة وفي بعضها إحدى عشرة ركعة كل ذلك ثبت عن عمر t وعن الصحابة في عهده([12]).
([1]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم جزء 4 ص 295 – 296.
([2]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام جزء 25 ص 266 – 267.
([3]) الاختيارات الفقهية ص 108.
([4]) الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص 85 – 86.
([5]) المجموعة الجليلة ص 158.
([6]) لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
([7]) متفق عليه.
([8]) رواه الخمسة وأعله أحمد وقواه الدارقطني (بلوغ المرام ص 156).
([9]) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح (الأربعون النووية) حديث رقم (11).
([10]) متفق عليه.
([11]) متفق عليه.
([12]) رواه مالك في الموطأ جـ1 ص 138.