قال مجاهد : نزلت في اليهود .
وقال مقاتل : كان بين النبي e واليهود موادعة وكانوا إذا مربهم الرجل من أصحاب محمد e جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره ، فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم وترك طريقه عليهم فنهاهم النبي e عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى ، فأنزل الله سبحانه "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى.." ..الخ الآية.
والنجوى هي الحديث بين أثنين بوجود ثالث لا يسمع – والنجوى بالإثم أي بمعصبة فيهم أي أن الإثم خاص بالنفس والعدوان هو التعدي على الغير ، فالتناجي بالعدوان هي المؤامرة والتحريض لوقوع العدوان على الغير من ذلك إيقاع الأذى على رسول الله وأصحابه .
"وإذا جاؤك حيوك بما لم يحك به الله " .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل على رسول الله e يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم ، فقالت عائشة وعليكم السام فقال رسول الله e "يا عائشة إن الله لا يحب الفحش والتفحش قلت ألا تسمعهم يقولون السام عليك فقال رسول الله e : أو ما سمعت أقول وعليكم فأنزل الله "وإذا جاؤك يحيوك بما لم يحيك به الله " ثم يقولون لو كان نبياً لعذبنا الله فقال : حسبهم جنهم يصلونها .
ثم بين الله سبحانه النجوى الجائزة ليفرق المؤمن بين نجوى الخير والشر والإثم .
فقال سبحانه "يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون" .
إذا وقع تناج فليكن بالبر والتقوى لا بالإثم والعدوان .
أي تناجي في عمل الخير وإصلاح المجتمع واتقاء المكروه بأمر بمعروف ونهي عن منكر فعلاً وهذا لأن النجوى بالإثم والعدوان من إيحاء الشيطان والهوى والنفس الأمارة ثم يباركها ويزينها الشيطان لأجل إدخال الخوف أو الشحناء والبغضاء في قلوب المؤمنين .
ومع ذلك لا يضر المؤمن شيء إلا بإذن الله ابتلاء وامتحاناً فليتوكل المؤمن ويعتمد على الله فلا يخاف إلا منه ولا يعتمد إلا عليه وأن ما في السموات والأرض بيده سبحانه .
ولهذا قال e حتى لا يقع المؤمن بهذه النجوى إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه" .
ثم ذكر سبحانه آداب المجالس كيف تكون .
فقال سبحانه "يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل لكم انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير" .
"فافسحوا" أمر من الله سبحانه بتوسيع المكان ليجلس فيه آخر وهو نوع من أنواع الإحسان إلى بعضهما والجزاء يكون عند الله بأن يوسع له في الدنيا والآخرة .
قال قتادة : نزلت هذه الآية في مجالس الذكر وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضيقوا بمجالسهم عند رسول e فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض .
وقال مقاتل بن حيان نزلت يوم الجمعة في ناس من المهاجرين والأنصار من أهل بدر حيث أمر رسول الله e بالإفساح لهم .
"وإذا قيل انشزوا فأنشزوا" وإذا قيل انهضوا من أماكنكم وقوموا فقوموا بأمر رسول الله e ولا يقام اليوم إلا لأهل العلم والمكانة والضيوف .
فقال "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " والله عليم بأعمالكم ونياتكم هل تعملون لله أم لغيره ..
ولقد كثر الضغط على رسول الله e من قبل الصحابة في نجواهم الخاص فأراد الله سبحانه أن يخفف على رسوله بأنه من أراد النجوى والحديث الجانبي الخاص وبرسول الله فعليه صدقة فلما شق ذلك على الصحابة وقد علموا بالهدف بأن يخففوا عن رسول الله نزل التخفيف ثم النسخ .
فقال سبحانه "يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير كم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون " .
"ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون" .
وهؤلاء هم المنافقون الذين يوالون اليهود الذين غضب الله عليهم فهم بالظاهر مع المؤمنين وفي الباطن مع الكفر ، لا هم من المؤمنين ولا هم من اليهود ، ويأتون يحلفون لهؤلاء ولأولئك وهم يعلمون في قرار نفوسهم أنهم كاذبون ، ويقولون للمؤمنين قول ويحلفون وللكافرين قول ويحلفون وهكذا.
"اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله" وقاية من العقاب فظن بعض الناس بهم خير واعتر بهم فكان ذلك صد عن سبيل الله .. فتوعدهم الله بالعذاب المهين .
وهذه الأموال التي يجمعونها من اليهود لنقل الأخبار، والأولاد الذين يجمعون لهم هذه الأموال لن يغنوا عنهم ويرد عنهم عذاب الله وناره – وذلك يوم يبعثهم .
هذه الأخلاقيات الكذب والحلف والنفاق يستمر مع المنافقين حتى وهم أمام الله يوم القيامة "يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا أنهم هم الكاذبون " ويحسبون أن بهذا سوف ينجون وما علموا أن الله يعلم السر وأخفى.وبهذا قال تعالى في سورة أخرى "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون" .
فقال الله "استحوذ عليهم الشيطان" تمكن منهم وعلى قلوبهم "فأنساهم ذكر الله" .
ذكر عقابه وغضبة وعلمه المطلع عليهم فمن نسي الله عمل كل شيء ويصنع ما يشاء لأنه لا رقيب عنده وهؤلاء هم الذين يعملون مع الشيطان ويتبعون الشيطان وهم من حزبه وخاصته وقد خسروا أنفسهم بتورطها في المعصية والعذاب.
ثم قال سبحانه "إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" فالذي يتولى المعركة هو الله سبحانه وتعالى وأن الحرب الذي يشونها اليوم على المسلمين ويحاربون الله ورسوله رويداً لهم فإنهم سيكونون من الأذلين حين ينزل الله عليهم عقابه وعذابه ونكاله .
وهذا وعد من الله مكتوب ومفروض كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز، قوي لا يقف أمامه قوة في الأرض عزيز قاهر سبحانه وتعالى .
"لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون " هذه آية تتحدث عن الولاء والبراء .
الولاء والمحبة والنصرة لله ولرسوله والمؤمنين والبراء من الأعداء .
فلا يوجد قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر وهم في نفس الوقت يحبون من حارب الله ورسوله لا يجتمع في قلب مؤمن هذا أبداً ، إما إيمان ومحبة لله ورسوله أو محبة لمن حارب الله ورسوله .
فمن اجتمع في قلبه الاثنين هذا منافق وليس هناك محبة في قلب المنافق لله ورسوله وإلا ما عملوا ما يعملون ، ولو كان هذا العدو المحارب لله ورسوله من الآباء والأبناء أو الإخوان أو القبيلة أو الأزواج ، فلقد كتب الله وغرس المحبة في قلوب المؤمنين وأيدهم بروح منه ثم يدخلهم يوم القيامة الجنات والرضوان وهؤلاء هم حزب الله وخاصته الذين يربحون أنفسهم يوم القيامة ، إن خسروا الأموال في الدنيا .
أسئلة تقويمية
س1/ قال تعالى "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ..." إلى قوله تعالى "وللكافرين عذاب أليم" .
أ- ما معنى قوله تعالى "يظاهرون - يتماسا" .
ب- اذكر سبب نزول هذه الآيات.
ج- وضح حكم الظهار وكفارته ؟
س2/ قال تعالى "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ..."
أ- ما معنى "النجوى - حيوك" .
ب- اذكر سبب نزول صدر الآية .
ج- فسر قوله تعالى "ويقولون لولا يعذبنا الله بما نقول" .
س3/ قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ... " إلى قوله "وعلى الله فليتوكل المؤمنون" .
أ- ما المقصود بالإثم والعدوان .
ب- فرق بين نجوى الخير ونجوى الإثم .
ج- فسر قوله تعالى "إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ...الخ" الآية.
س4/ قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس..الخ" .
أ- ما معنى : تفسحوا – انشزوا .
ب- بمن نزلت هذه الآية .
ج- ما تعليك لقوله "يرفع الله الذين آمنوا منكم ..الخ" .
د- عما تتحدث هذه الآية.
س5/ قال تعالى "ألم تر إلى الذين تولوا قوما ًغضب الله عليهم .. .. إلى : إلا أنهم هم الكاذبون"
أ- ما معنى : جنه – تولوا .
ب- من المقصودون في صدر الآية الأولى .
ج- شر إلى صفاتهم في الآيات .
س6/ قال تعالى "إن الذين يحادون الله ورسوله ... الخ " السورة .
أ- هل يجتمع في قلب مؤمن حب لله ورسوله وحب لعدو الله دلل على ذلك.
ب- ما معنى "يحادون" .
ج- تحدث عن معنى الولاء والبراء في الآية الأخيرة .
د- اشرح قوله تعالى "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز"..