النظام الإسلامي مصدره الله عز وجل، وهو مستمد من العقيدة الإسلامية التي جمعت العقائد السماوية على منهج جديد. ورسمت الشريعة الإسلامية تصورات وأصولاً فاصلة لاستشراف المستقبل. وفي ثنايا النظام السياسي الإسلامي نظام عالمي إنساني أخلاقي، دنيوي وأخروي، يلاحق الجاني نفسه بنفسه حيث يقصر سلطان الدولة، وهكذا يتشكل المجتمع العقائدي. والحكومة الإسلامية ليست ذات نظام مطلق فهي لا تشبه الأشكال الحكومية المتعارف عليها، كما أنها ليست حكومة دكتاتورية يستبد فيها رئيس الدولة برأيه، عابثاً بأموال الناس ومصائرهم، إنما هي حكومة دستورية، ولكن لا بالمعنى الدستوري المتعارف عليه والذي يتمثل في النظام البرلماني والرئاسي أو المجالس الشعبية، وإنما هي دستورية بمعنى أن القائمين على الأمر يتقيدون بمجموعة الشروط والقواعد المبينة في القرآن والسنة(7). الطبيعة المميزة للفكر السياسي الإسلامي: لم يعرف الإسلام النظام الملكي أو الأرستقراطي أو الديمقراطي بالوصف الذي ذهب إليه الفلاسفة الإغريق، ولم يعرف الأنظمة الملكية أو الجمهورية أو القيصرية التي صارت إليها البلاد الرومانية؛ هذا لأن الإسلام دين ودولة، دين ينادي بالتقوى وعبادة الله الواحد الذي لا شريك له.. يهدي الناس إلى الصراط المستقيم، أي ينادي بالفضيلة والأخلاق والمحبة والإخاء والأمانة، ودولة لأنه وضع أصول المعاملات بين أفراد المجتمع وحقوق كل فرد وواجباته وعلاقة الفرد بالحاكم، وعلاقة الحاكم بالرعايا. لقد أعطى الإسلام للديمقراطية أسمى معانيها الإنسانية والأخلاقية، وأرسى القواعد الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته العامة، وأمر بالمساواة أمام القانون والقضاء، وفي الوظائف العامة، وفي أداء الضرائب وفي أداء الخدمة العسكرية، كما أمر بحرية التنقل والاتجار وحرية الرأي والفكر والعلم، والعقيدة وممارسة الشعائر الدينية وحق العمل وحق الملكية وحرمة السكن. مبادئ النظام السياسي في الإسلام: المبدأ الأول: إقامة حكم الله في الأرض: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(. المبدأ الثاني: تكوين دولة الإيمان المثال، وهذه تكفل تحقيق(9): 1- العدل. 2- المساواة في مستوى المعيشة وأمام القانون. 3- الشورى. المبدأ الثالث: إنقاذ الجنس البشري كله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)(10). المبدأ الرابع: الرحمة، وهي بإكمال الغاية من الشريعة ومن الرسالة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (11). شريعة الدولة في النظام السياسي الإسلامي: الشريعة هي القرآن الكريم والسنة الشريفة بفروعها الثلاثة (قول المعصوم وفعله وتقريره)، وهي القانون النافذ في الدولة الإسلامية ومميزات شريعة الدولة هي(12): 1- إنها قانون الهي؛ فالقرآن كلام الله، وسنة الرسول(ص) وحي من الله، وهو معصوم من الخطأ، وخضوع الإنسان لهذا القانون ليس خضوعاً لطبقة أو فرد، وإنما هو خضوع لله. 2- إنها قانون عالمي عام. 3- إنها قانون له صبغة دينية. 4- إنها قانون أبدي بعمر الحياة الإنسانية. 5- إنها شريعة لكل البشر. شكل الحكم في النظام السياسي الإسلامي: 1- ليس نظاماً ملكياً؛ إذ الجيوش الإسلامية انطلقت لتحرير الإنسانية من عبودية الملوك، وتغيير أنظمة الطاغوت، ثم إن الملك لقب الهي؛ قال تعالى: (ملك الناس، اله الناس) (13) كما أن الإسلام لا يقر الوراثة الملكية. 2- ليس نظاماً استبدادياً؛ فالنظام الإسلامي نظام يقر العدل والمساواة، ويقوم على الشورى(وشاورهم في الأمر)، والحكم في الاسلام، هو مجرد وظيفة الولاة المحددة بالمسؤولية الشرعية والقانون الإلهي: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (14) وفي آية أخرى: (..هم الظالمون) (15) وفي ثالثة: (.. هم الفاسقون) (16). 3- ليس نظاماً ديمقراطياً؛ لا بالمفهوم الديمقراطي عند الاغريق، ولا بالمفهوم المعاصر، فالشعب عند اليونان هم طبقة الحكم، بينما الشعب في النظام الإسلامي هو كل الأمة، والشعب في الأنظمة الديمقراطية يضع قوانينه بنفسه بواسطة ممثليه، ولا معقب على إرادته بالأنظمة الديمقراطية الحقة. بينما في النظام السياسي الإسلامي إرادة الشعب مقيدة بحكم الله ورسوله(ص)، لأن الشريعة هي صاحبة السلطان، ولا يملك الفرد أو الشعب أن يشرع، والنظام الديموقراطي يحدد مدة الرئيس، بينما في النظام الإسلامي يبقى الحاكم على رأس قيادة الدولة إذا ارتضته الأمة، إلا إذا فقد أحد الشروط المنصوص عليها في الشريعة المقدسة. ثم إن أهداف الديمقراطية الغربية أهداف دنيوية- مادية ترمي لتحقيق سعادة أمة معينة أو شعب معين، بينما في النظام الإسلامي الأهداف الروحية ملازمة تماماً للأهداف المادية، وغاية هذا النظام تحقيق المصالح الدنيوية والأخروية معاً (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا) (17). 4- ليس نظاماً ثيوقراطياً؛ الملك بالنظام الديني الثيوقراطي يزعم بأنه يستمد سلطانه من الله، وهذا قول بلا دليل، فليس لدى الملك شريعة الهية، وليس لديه حجة على ذلك، وهو معرض للخطأ أو الصواب، بينما في النظام السياسي الإسلامي، النبي والولي معين من قبل الله تعالى، والنبي يأتيه الوحي ولديه دليله، وهو رئيس الدولة وهو معصوم عن الخطأ، والإمام في الإسلام خاضع للشريعة ومقيد بها ومسؤول عن جنايات الأنفس والأموال، وهو يدور مع الأمة في أفقين متداخلين ويهدفان إلى غاية واحدة وهي تنفيذ أحكام الدين المبررة بمصالح العباد طلباً لرضوان الله(18). ومن واجب الرعية أن تنصح للإمام وتبحث معه وتسأله، لأن الأمة حرة ضمن الشرع، بينما في الأنظمة الثيوقراطية على عكس ذلك، فسلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق حسب زعمهم، وتنحصر مسؤولياتهم أمام الله عن كيفية استعمال هذه السلطة، كما يقول لويس الرابع عشر ملك فرنسا، ويقول لويس الخامس عشر في تبريره للقانون: (إننا لم نتلق التاج إلا من الله، ولنا وحدنا سلطة سن القوانين ولا نخضع في عملنا لأحد) (19). وحول هذا النظام تتمركز طبقة من رجال الدين والنبلاء وأصحاب الحظوة يتنعمون لقاء الموافقة على هذا التصور، وتشقى بقية الرعية. |