البخاري مشرف
عدد الرسائل : 203 تاريخ التسجيل : 03/12/2008
| موضوع: هيئة مكافحة الفساد لا تغري الشارع اليمني الأربعاء أبريل 21, 2010 4:31 pm | |
|
بعد تردّد واخذ وردّ داخل أروقة مجلس الشورى ثم مجلس النواب، دام أزيد من ستة أشهر، أعلن في اليمن عن ميلاد هيئة عليا لمكافحة الفساد.
هذه الهيئة مطلوب منها محاربة هذا الفساد ووضع حد لظاهرة أصبحت الوجه الأكثر سوءً للسلطات العامة والإدارة اليمنية، ومبعث قلق للمانحين الدوليين الذين يتطلَّـعون إلى انتشال هذا البلد من أوحال الرشى ونهب المال العام.
الهيئة التي وُلِـدت في هذا السياق، مكوَّنة من إحدى عشر عضواء من بين ثلاثين، صوّت على ترشيحهم مجلس الشورى، ستتولى استقبال التصريح بالممتلكات لكبار المسؤولين في البلاد ومتابعة قضايا إختلاس ونهب الأموال العمومية ومراقبة أداء الإدارة، لا ينظر إليها الشارع اليمني بإكبار ولايترقب منها تحقيق الوعود جرّاء تراكمات كثيرة من الاحباطات، التي كرَّسها سوء التدبير والتسيير للمرافق العامة، منذ زمن بعيد.
ومع أن الهيئة قد ضمَّـت خليطا من القطاعات الحكومية و(المجتمع المدني) والقطاع الخاص، إلا أنها في نهاية المطاف عكست هيمنة الحزتالحاكم، المؤتمر الشعبي العام، الذي يسيطر على المؤسسات الدستورية ويُـهيمن على السلطات الثلاث، وباستثناء ممثل القطاع الخاص سعد الدين بن طالب، المشهود له بسجل نظيف، حسب المراقبين والمتابعين، فإن بقية الأعضاء هم ممَّـن شغلوا مناصب حكومية أو قادوا هيئات ومؤسسات رسمية أو مدنية، ليس في سجلها ما يُـشير إلى اجتنابها للفساد خلال إدارتها من قِـبل هؤلاء، الأمر الذي يقلل من ثقة الشارع اليمني من أي فعالية مرتقبة لدور الهيئة، ومرد ذلك إلى ما باتت تمثله ظاهرة الفساد هذه من انتشار مريع باعتراف كل الفرقاء في الساحة، بمن فيهم كبار المسؤولين اليمنيين.
وأصبحت هذه الآفة لا تثير فقط قلق الداخل فحسب، بل والخارج أيضا، فوكالة التنمية الدولية والبنك الدولي ووكالة التنمية الأمريكية وتقارير المنظمات الدولية والشفافية الدولية والنزاهة الدولية، كلها لا تخلو من التعبير عن قلق هذه الهيئات من انتشار الرّشوة على نِـطاق واسع، يتكبَّـد بسببها المجتمع والدولة خسائر كثيرة ويهدر إمكانياته الشحيحة أصلا، ويحرم البلاد من المساعدات الخارجية، باعتباره من البلدان الأقل نموا. ضغوظ دولية من أجل منح المساعدات
فاليمن يصنَّـف بأنه بلد تشكل موارد النفط والمساعدات أهم موارده، فعائدات النفط تشكِّـل نسبة 90% من إجمالي الصادرات و70% من موارد الموازنة العمومية، وتراجعت نسبة ما يحصل عليه من ريع المساعدات الخارجية في السنوات الأخيرة.
فقد كان اليمن يحصُـل على مساعدات مهمَّـة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، إلا أنها تراجعت كثيرا وحصل خلال الأعوام 2004 و2005 على التوالي 12 و13 دولارا للفرد فقط، طِـبقا للمعطيات المتوافرة في تقارير المؤسسات الدولية والأممية، وهذه النسبة تقِـل كثيرا عمَّـا تتلقاه البلدان المماثلة لليمن، المصنفة معها في معايير مشابهة، كنمو الناتج المحلي ودخل الفرد ومؤشرات التنمية البشرية، التي يرتفع فيها نصيب الفرد من المساعدات الخارجية، إلى ما بين 33 و34 دولارا في العام.
ومع أن تراجع حصَّـة اليمن من المساعدات الخارجية له عدة أسباب، منها الأسباب السياسية، التي تمخَّـضت عن غزو العراق للكويت في صيف عام 1990، إلا أن من أهم أسباب تدنِّـي تراجع حِـصة اليمن من المساعدات في السنوات الأخيرة، الفساد الذي أصبحت تشترط الدول المانحة على الحكومة اليمنية محاربته والحد منه، كي تتمكن من الاستفادة من تدفُّـق المساعدات، بالقدر الذي يؤهِّـلها لها.
وفي هذا الجانب، بدت طبيعة الانصياع لتوصيات الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية، التي ظهرت قوية في فرض أجندتها في السنوات الأخيرة على صنعاء، من أجل دفعها لمحاصرة الفساد المستشري على نطاق واسع في أجهزة الدولة.
ويبدو أن التناغم أضحى جلِـيا بين كافة الداعمين لليمن بشأن محاربة الفساد، الذي صنّـفت فيه اليمن، الأسوأ على النطاق العالمي والعربي، طِـبقا لتقارير مؤسسات الشفافية الدولية والنزاهة العاليمة، وحتى البلدان الخليجية، التي لا تكاد تخلو هي نفسها من هذه الآفة، فقد بدت غير مرّة، متشددة إزاء هذا الملف، لاسيما منذ أن بدأت صنعاء تكثف مساعيها من أجل تأهيل اقتصادها للاندماج في اقتصاديات بلدان مجلس التعاون الخليجي. على اليمن أن يساعد نفسه
وورد على لسان مسؤولين خليجيين، أن على اليمن أن يساعد نفسه، إذا أراد أن تساعده دول المجلس، وهذه اللَّـكنة تبدو متناغمة إلى حدٍّ كبير مع مُـطالبات المؤسسات الدولية، خاصة البنك الدولي، الذي لم يكن بعيدا عن مؤتمر لندن للمانحين، الذي عقد آواخر العام الماضي، وتعهدت فيه دول مجلس التعاون الخليجي بتوفير الجُـزء الأكبر من الدّعم المخصص لليمن من إجمالي التعهدات لدعم صنعاء، التي وصلت إلى ما يزيد عن 5 مليارات دولار خلال المؤتمر.
ويُـنظر إلى الفساد في اليمن بأنه يستحوِذ على الجزء الأكبر من مصادر تمويل التنمية المحدودة في الأصل، والبادي للمراقبين والمتابعين، أن الحكومة اليمنية أبدت تجاوبا مع الضغوط الدولية والإقليمية للدّاعمين، بُـغية حيازة رضاها، فصادقت على المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد عام 2005 ثم أصدرت قانونا لمكافحة الفساد، وآخر للذمّـة المالية، يلزم شاغلي الوظائف العليا، التصريح بممتلكاتهم للهيئة العليا لمكافحة الفساد، ومنحت هذه الأخيرة ِصِـفة الضبطية القضائية لتمكينها من التفتيش والمساءلة والاستجواب لمرتكبي جرائم الرشوة والفساد.
وبموازاة كل ذلك، انتعش الخطاب الدّاعي إلى محاربة الفساد، خاصة من قِـبل كبار المسؤولين، الذين لم يتردد بعضهم بتوجيه اللَّـوم مِـرارا إلى مسؤولي الإدارت العمومية، كما صدرت قرارت بتعيين مسؤولين جدد في مواقع لها علاقة بشبهات الفساد والأموال العمومية والمناقصات والإشتراء الحكومي.
ولم تتردد وسائل الإعلام الرسمية في هذا الشأن إلى التذكير بأن تلك التغييرات همّـت بالأساس، تصحيح الأوضاع المختلة في المرافق العامة المشبوهة، وطيلة السنوات الأخيرة زاد كبار المسؤولين من توعُّـدهم للفساد والمفسدين في أكثر من مناسبة، حتى أصبحت هذه القضية تشكِّـل أهم محاور خطابات المسؤولين في اليمن. تشاؤم رجل الشارع اليمني
ويأتي الإعلان عن تشكيل هذه الهيئة في سياق يشهد تعبِـئة عامة لمواجهة هذه الظاهرة، لكن النتائج المحقَّـقة حتى الآن، لا تلاقي اهتماما يُـذكر من قِـبل رجل الشارع اليمني، الذي أصبح بدوره يتندّر على كل تلك الإجراءات المتَّـخذة حتى الآن في إطار ما يُـطلق عليه محاربة الفساد، خاصة وأنه الأكثر تضرُّرا ومعايشة لهذه المشكلة، التي لا تفارقه في كل المرافق الحكومية.
وهناك من يرى أن ما يزيد من عدم ثقة رجل الشارع بالإجراءات والتدابير المعلنة والمتَّـخذة من أجل مكافحة الفساد، أن الكثير من تلك الإجراءات، لم تأت بأي نتيجة، لاسيما التغيرات المعلنة في السنوات الأخيرة، التي أطاحت ببعض المسؤولين المؤيِّـدين في الحكومة وبعض الإدارات، وتشير كل الدلائل إلى تذمر الشارع اليمني وعدم ارتياحه لخطوات التغيير المتخذة، التي تبدو أنها لم تأت، من وجهة نظره، إلا بالأقارب والأصهار وأطراف العلاقات الزبونية والعشائرية والقبلية، فضلا عن عدم تلمّـسه لأي مردودية تُـذكر لكل التغييرات التي اتخذت في إطار ما يُـعلن عنه، أنه محاربة للفساد والمفسدين.
لهذا، لا يبدي الشارع اليمني أي اكتراث بـ "الهيئة العليا لمحاربة الفساد" المشكلة مؤخرا، ولا يُـعوّل عليها في استئصال هذه الآفة، التي تضرب بأطنابها في أعماق مؤسسات الدولة، خاصة وهو يكابد كل يوم جحيم هذا الوباء، بل إن الشارع لا يكف عن التندر على بعض شخصيات الهيئة، وعلق أحدهم بقوله بقوله: "كيف لمن ينكر أن هناك فسادا في البلاد، أن يتصدى لمحاربته"، في إشارة لما كان يردِّده أحد أعضاء الهيئة خلال الانتخابات الرئاسية، التي جرت في سبتمبر 2006، عندما كان مرشَّـحا لمنصب رئيس الجمهورية، والذي ذهب في حملته الانتخابية إلى معاتبة من يقولون بأن في البلاد فسادا.
ولا يتوقف تندّر الشارع على شخص دون غيره، بل يكاد يشمل كل أعضاء الهيئة، خاصة من قدَّموا أنفسهم كممثلين للمجتمع المدني، فهولاء يَـنظر إليهم الشارع كأنهم يديرون هيئات أصبحت تتقاسم الشراكة في الفساد مع اطراف خارجية في استقطاب الدعم الخارجي وتصريفه بطريقة تجانب الشفافية وروح المسؤولية، ويرون أن رائحتها تزكم الأنوف، خاصة وأن تلك المنظمات، التي تدَّعي تمثيل المجتمع المدني، لا يظهر في ممارستها أن لها علاقة بالمدنية ومجتمعها العصري، وإنما مقتصرة على القرية أو الحي أو العائلة، مما يجعلها غير بعيدة عن أمراض الفساد، خاصة في ابتعادها عن الشفافية والتدقيق على حساباتها.
إجمالا، يبدو أن الشارع اليمني، بسبب التراكمات التي ترسبت في نفسه جراء الأمراض المُـزمنة للإدارة اليمنية، والتي تجد أساها في الأفكار السياسية التقليدية للتفسير الديني للعلاقة بالأموال العمومية منذ عهد الأئمة، وحتى الإطباق القبلي على مؤسسات المجتمع والدولة، كلها من وجهة نظر رجل الشارع العادي، أنتجت ممارسة لا تفرق بين الحق الشخصي والحق العام، وتفتقر لفقه دولي يؤسس للعقلنة والترشيد، حسب ماكس فيبر، الذي أرجع كل مساوئ البيروقراطية، إلى عدم التفريق بين أخلاقيات المسؤولية وأخلاقيات الطاعة، وهذه الأخيرة هي التي تتحكم بسير الإدارة العمومية، ما لم تثبت عكس ذلك، وهو ما يُـنتظر من الهيئة العليا لمكافحة الفساد. فهل ستحقق ذلك؟ هذا ما ينتظره الجميع، حتى تتبدّد الشكوك حِـيال كل ما يعلن عنه من حروب ومكافحات للفساد
|
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] | | [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] |
| |
|