[img]
[/img]
خليج عدن - أبو ظبي - خاص - بقلم / فارس سالم الشقاع
قرأنا باهتمام كبير الرسالة التي نشرها عدد من المثقفين العرب بشأن الأوضاع في اليمن. وإننا إذا نعبر عن تقديرنا لمشاعرهم القومية تجاه الوحدة اليمنية التي شرع الطغيان والديكتاتورية والفساد في اغتيالها بعد عام من ميلادها ثم أهالوا عليها التراب في جريمة دموية مشهودة ومروعة بعد أربع سنوات، فإنه يهمنا أن نوجه اليهم هذا الخطاب المفتوح شارحين ظروف الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية والمسار الذي مّرت به والوضع الذي وصلت اليه.
فكرة الوحـدة اليمنية.
لقد كانت فكرة الوحدة اليمنية تعيش في أعماق شعبنا في الجنوب منذ زمن طويل، وقد ترجمها قادتنا السياسيون بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني البغيض (1967) في الشعار الذي رضعه أطفالنا مع صباح كل نهار مرددين في ساحات المدارس: للنضال من أجل الدفاع عن الثورة الوطنية وتحقيق الوحدة اليمنية. هذا في الوقت الذي كان مشائخ القبائل وزعماء الحرب في الشمال الذين حاكوا المؤامرات ضد النظام الجمهوري وأفرغوه من مضمونه ومارسوا صنوف الغدر والخيانة مع جيش مصر والأبطال من أبناء الكنانة ، يحيكون المؤامرات والدسائس ويشنون الحروب علينا ( 1972، 1979) للسيطرة على بلادنا بقوة السلاح والاستحواذ على ماتزخر به من ثروات وموارد.
وحدة ٌ صادقة ٌ من جانبنا ومؤامرات ٌوغدرٌ من جانبهم
وفي العام 1990 اتخذت القيادة السياسة في بلادنا قرارها التاريخي الشجاع بالدخول في وحدة اندماجية مع أشقائنا في (ج.ع.ي). وكان قائدنا الملهم الرئيس علي سالم البيض واحداً من عدد محدود من قادة الأمة الذين آثروا مصالح الأمة في الوحدة والعزة والنهوض على بهرج السلطة والزعامة وتنازل عن الرئاسة بنكران ذات وقدّم دولة ً وشعبا ووطنا وثرواتٍ لصالح وحدة الأمة وقوتها وعزتها ونهوضها.
ولكن للأسف الشديد واجه شعبنا من الطرف الآخر فيضا من الغدر والتآمر والخيانة. وقد شهد بذلك شيخهم الأكبر عبدالله حسين الأحمر في مذكراته (ص248- 249) حيث ذكر أنه منذ اليوم الأول للوحدة طلب الرئيس صالح منه ومن علماء الفتنة، علماء السلطان من القوى الإسلامية المتطرفة، أن ينشئوا حزباً اسلامياً يكون رديفا لحزب الرئيس يساعده في مواجهة القادة الجنوبيين للتآمر عليهم والإحاطة بهم ومن أجل تعطيل تنفيذ اتفاقيات الوحدة تمهيدا لخلق أزمة سياسية في البلاد تقود الى اعلان الحرب على الجنوب واجتياحه واحتلاله بالسيف.
وحدة تـُعَمّـد بالمحبة وتـُرعى بالتنمية والرخاء لا وحدة تـُعَمَّد بالغدر والخيانة والدم
لقد كان شعبنا الجنوبي يرى في الوحدة فرصة وسبيلا لتوحيد الثروات وتوحيد الطاقات على طريق التنمية الواسعة والرخاء العميم لبلد مترامي الأطراف، غزير الثروات، بتاريخه العريق، وشعبه المكافح النبيل، وطاقات أبنائه الإبداعية الخلاقة. فما الذي قابلنا به الطرف الآخر؟ لقد قابلنا بالغدر والخيانة حيث نفذوا منذ العام الأول للوحدة مسلسلا داميا من الإغتيالات للقادة الجنوبيين الذين انتقلوا الى العاصمة صنعاء للمشاركة في إدارة الدولة. وفي غضون الأربعة الأعوام ( 1990 – 1994 ) تم اغتيال مايزيد عن 150 ( مائة وخمسين ) قائدا وكادرا من القيادات والكادرات الجنوبية داخل العاصمة صنعاء بينما لم تسجّل حادثة اغتيال واحدة ضد شخصية شمالية في الجنوب. فهل لديكم علم ٌ أيها الأشقاء الكرام بذلك ؟ هل تؤمنون أن الوحدة يمكن أن تُبنى وتستمر بهذا النوع من السلوك الغادر؟ هل تسمح لكم أخلاقكم العربية والإسلامية الأصيلة بمباركة غدر ٍ وخيانة ٍ كهذه؟ هل تسمح لكم ضمائركم النقية بعد أن تعرفوا كل هذا أن تلوموا شعبنا الجنوبي الضحية إذ يقول: كفى لوحدة الغدر والخيانة!
أسباب الخلاف في دولـة الوحـدة
نكاد نجزم أن قسما كبيرا من أشقائنا العرب لا يدركون الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الخلاف الذي اندلع في دولة الوحدة منذ يومها الأول بين الطرف الجنوبي والطرف الشمالي. قد تسمعون بعض المهرجين والمرتزقة الذين يقولون لكم إن القادة الجنوبيين نكصوا على عقبيهم وقرروا الانفصال لأنهم فقدوا مصالحهم. وإننا نربأ بكم أن تسقطوا في وحل تصديق هذا الهراء وتزييف حقائق الواقع، ومن ثم ّ نجد لزاما علينا أن نسلط الضوء على الحقائق والوقائع التي أدت الى الخلاف كي تتضح الصورة أمام الأشقاء الكرام.
إن القصة ياسادتنا تكمن باختصار شديد في الخلاف على طريقة إدارة الدولة الموحدة. ونود أن نلفت انتباهكم الى أن هذه قضية ذات صلة مباشرة بثقافة الحكم التي نشأت في الشمال والجنوب منذ عشرات إن لم نقل مئات السنين. فكلكم يعلم أن الجنوب كان مستعمرة بريطانية منذ عام 1832، وقد أسس الحكم البريطاني في هذا القطر العربي نظاما سياسيا وقضائيا ومدنيا عصريا يقوم على النظام وسيادة القانون. ومن المعلوم أن الجيل الراهن من القادة الجنوبيين الذين قادوا الجنوب الى دولة الوحدة كلهم وُلِدوا ونشأوا وترعرعوا في ظل هذا النظام العصري وأصبحت نظمه وقوانينه وتقاليده تجري في دمائهم حتى عندما كانوا يختلفون ويقتتلون فيما بينهم بسبب النهج السياسي فإن المنتصر منهم لم يكن ليمسّ بنظام الحكم المدني ذاك بل يعود اليه ويحافظ عليه لأنه باختصار لايعرف نظاما آخر بديلا عنه. هذا بينما كان نظام الحكم في الشمال منذ مئات السنين نظاما قبليا يقوم على قوة شيخ القبيلة وأصحاب النفوذ من رجال الجيش ورجال الدين وكبار الموظفين والتجار والملاك وغيرهم. شيخ القبيلة في شمال اليمن هو الحاكم الفعلي في منطقته وليس المحافظ أو مدير الأمن أو غيرهم من ممثلي جهاز الدولة. ورئيس الدولة في شمال اليمن إنما ينظر اليه باعتباره كبير المشائخ والحاكم بينهم يوزع الحصص ويحل الخلافات .. الخ. وما ترونه من انتخابات برلمان ومجالس محلية وغيرها ما هو إلا ديكورالعصر، أما أعضاء الحكومة فليسوا بأكثر من موظفين صغار لايملكون من السلطات والصلاحيات شيئا. المتنفذ الوحيد في البلد والمتصرّف في شئونها السياسية والمالية والعسكرية وغيرها هو الرئيس الذي يتباهى أمام الجميع بأنه يدير الدولة بالهاتف. ويكفي أن تسألوا من هو قائد الحرس الجمهوري وقائد القوات الخاصة وقائد الأمن المركزي وقائد سلاح الطيران وقائد سلاح المدرعات وقائد الأمن السياسي وقائد الأمن القومي حتى تكوّنوا صورة عن النظام الذين نحن بشأنه. إنهم الأبناء والإخوة وأولاد الإخوة وهلمجرا.
ولهذا فحين تمت الوحدة بين الطرفين الشمالي والجنوبين حصل الخلاف منذ اللحظة الأولى بين نمطين لإدارة الدولة وأخذ كلّ إناء ٍ بالذي فيه ينضحُ: الجنوبي يرى في الدولة النظام والقانون والقضاء والمؤسسات والحقوق المدنية، والشمالي يرى فيها الشيخ وعاقل الحارة والضابط صاحب الصولجان وغيرهم من أهل النفوذ من تجار وملاك وكذلك رجال الحاشية وأهل النفاق. هؤلاء يتمتعون وحدهم بكل الحقوق ويمتلكون النفوذ. إن هذا هو السبب أيها السادة في أنكم لم تسمعوا ولو مرة واحدة أن حكومة اليمن قد حاكمت شيخا اختطف سائحين أجانب أو اعتدى وفجّر أنبوبا للنفط، بل بدلا عن ذلك تدفع الدولة لهذا الشيخ عشرات الملايين من الخزينة العامة، من ميزانية المشاريع الإنمائية كالمدارس والطرق والمستشفيات والماء والكهرباء وغيرها كي تكسب ولاءه ولا يكرر فعلته!
تُرى هل أوضحنا بما فيه الكفاية سبب الخلاف الذي نشب بين الطرفين الجنوبي والشمالي عقب الإعلان عن دولة الوحدة ؟ وحين ضاق الطرف الشمالي من شريكه الجنوبي ورأى فيه كابحا وعائقا لما اعتاد عليه من سلوك فردي في إدارة الدولة قرر ممارسة الغدر وشرع بالاغتيالات أولا فإعلان الحرب ثانيا ثم اجتياح الجنوب ثالثا.
وماإن وقع الجنوب في يد هذه القوى القادمة من أدغال التاريخ حتى عاثوا فيه فسادا، فنهبوا الثروات واستولوا على الأرض وقسموا القطاعات النفطية الى " بلوكات " وزعها الشيخ الأكبر رئيس الدولة على أهل النفوذ من زعماء القبيلة. أما أهل الجنوب فقد طردوا من وظائفهم حيث حُلت كل أجهزة الدولة الجنوبية العسكرية والأمنية والمدنية وتم الاستيلاء على مؤسساتهم الصناعية والزراعية تحت ذريعة الخصخصة فاستولى الشماليون على كل شيء وقذف بالجنوبيين الى قارعة الطريق. وفقد المواطن الجنوبي كل ماكان يتمتع به في نظامه السابق من قضاء نزيه ومؤسسات دولة ترعى حقوقه وتسهر على أمنه وراحته واستقرار معيشي وفرص عمل وتعليم مجاني وتطبيب مجاني ومنح دراسيه لأبنائه وغير ذلك من الحقوق.
رسـالة شعـب الجنـوب
إننا لنأمل أيها الأشقاء أن تدركوا أن الشعب الجنوبي إذ يخرج الى الشوارع والميادين العامة ليواجه بصدره العاري رصاص النظام الشمالي الغادر المحتل لأرضه والناهب لثرواته، فإنه يوجه بدمه رسالة إليكم وإلى كل أبناء الأمة وكل الشرفاء في العالم أنه لا يستطيع ولا يقبل أن يعيش تحت نظام يحرمه حقوقه الإنسانية التي شرعها الله له، وينتزعها منه بعد أن عاشها واقعا قائما على العدل والقانون والمساواة. وأن هذا الشعب مستعدٌ لبذل المهج والأرواح لاستعادة حريته وسيادته على أرضه وتملك حقوقه وبناء وطنه وتأمين مستقبل زاهر لأجياله القادمة التي ستشارك شباب الأمة في إنشاء الوحدة العربية الكبرى على أسس الحرية والديمقراطية والمساواة والرخاء العميم لكل أبناء الأمة.